موقع وثيقتي
تحليل النصّ النظري (المقالة الأدبيَّة) المعرّف بجنس القصّة القصيرة:
متنُ المقالةِ:
مميِّزاتُ القصَّةِ القصيرةِ واتِّجاهاتُها
تؤكِّدُ الدِّراساتُ النَّاشِطةُ منذُ الخمسينَات حوْلَ نشأةِ القِصَّةِ في الأدبِ العَربِيِّ الحديثِ أنَّها كانت حاجةً اجتماعيَّةً قبلَ أن تكونَ حاجةً فنِّيَّةً، بمعنى أنَّ اضْطِلاعَها بوظيفتِها كان أبرزَ الدَّوافِعِ إلى كتابتها، ولعَلّ هذا ما يفسِّر ذلك التلكُّؤَ الطَّويلَ الذي عاشته حتَّى انْخرطت في زمنها الفنِّيِّ الخاصِّ، وأنْجزت تجاربَها.
وهذه الحاجةُ الاجتماعيَّة إذا كانت قد ربطت الكاتبَ بالالتزامِ في التَّعبير عن قضاياهُ الحياتيةِ أو قضايا مجتمعِه العامَّة، في مرحلةٍ مبكِّرةٍ، فإنَّه مع الزَّمنِ، أمكنَ انطلاقُه من أسْرِ هذين القيْديْنِ، نسبيًّا لصالح التَّعبيرِ الفنِّيِّ الذي أصبحَ متوخًّى أكثرَ، باعتبار أنَّ القصَّة القصيرةَ لم تعد خبراً يُرْوَى، بل أصبحت حدثاً ينمُو ويتطوَّرُ من خلالِ رؤيا الكاتبِ.
وإذا كان للشِّعر مصطلحٌ نقديٌّ قديمٌ تطوَّر في العصر الحديث حينَ استفادَ من العلوم الألسنيَّة، والاجتماعيَّةِ، والنَّفسيَّةِ، والأنتروبولوجيَّة، وإذا كان للرِّوايَة مصطلَحٌ نقديُّ خاصُّ بها باعتبارها تُناقشُ قضايا أساسيَّةً عبْر تطوُّرِ الشَّخصيَّة والأحداثِ، فإنَّ القصَّةَ القصيرةَ، باعتبارها لا تناقش قضيَّةً ما بِتوسُّعٍ ولا تصَوِّرُ تطوُّرَ شخصيَّة مَا ، إنَّما هيَ شعورٌ خاطفٌ ، ولحظةٌ من عمر الزَّمنِ، ومنَ الصَّعبِ القبضُ على هذا الشُّعاعِ السَّريعِ أو تجميدُه لفحصِهِ وتحليلِه، ففِي هذهِ الحالةِ إمَّا أنْ تزيدَ في تضخيمِ هذهِ الخاطرَةِ أو تقلِّلُ من نوعيَّةِ وكميَّة هذا الشُّعورِ، ولذلك يصعُبُ نقدُ القِصَّةِ القصيرة، لنوعيَّتِها الخاصَّة، ولكونِها فنّا ًأدبيَّاً ناشِئا وجديدا عن " الصَّوت المنفرد" للرَّجلِ الصَّغير في الحياةِ الحديثَةِ، أو صوتِ الجماعاتِ المغمورَةِ في تطوُّرِها عبْرَ المراحِلِ التَّاريخيَّة، وقدِ ارتَبَطتْ "تاريخيّاً" بالطَّبقةِ الدُّنيَا، وعبَّرت عن همُومها ومطامِحِها، باعتبارها الفنَّ الذي يمْلِكُ الكثافةَ الشِّعريَّة والرُّؤيَا الفَنِّيَّةَ.
وإذا كانتِ الرِّواية تلائِم شكلا معيَّنا من الحياة الاجتماعيَّة ، أو هي نتيجةٌ لظروف موضوعيَّةٍ تمثَّلت في الوقت الفائِض اللاَّزم لقراءتها وكتابتِها، فإنَّ الحياة المعاصرَة أصبحتْ أكثرَ تعقِيداً، وتسارَعَ إيقاعُها بشكلٍ مذهلٍ، الأمرُ الذي دفَعَ إلى البحثِ عنْ فنٍّ موجَزٍ وسريعٍ ، له كثافةُ الشّعرِ وتركيزُه، فكانت القصَّة ثمَّ القصَّةُ القصيرةُ ، والقصَّةُ القصيرةُ جدّاً باعتبارها تقنياتٍ أدبيةً مستحدثَةً، تأخذُ بعين الاِعتبارِ وقتَ القارئِ والمبدعِ، وتعبِّرُ عن أزمةِ الفرْدِ في عصرِ السُّرعةِ والاختزَالِ ، من خلال ومضاتٍ هيَ إلى البرْقياتِ الموحِية أقرَبُ.
والقصَّةُ القصيرة فنٌّ دراميٌّ أداتُه اللُّغةُ، وأسلوبُه الحوارُ والسَّردُ ، قليلُ الكمِّ يُقرَأُ في جلسةٍ واحِدةٍ، ويتميَّزُ بوحدةِ الاِنطباعِ. وفي بناءِ القِصَّة القصيرةِ يتداخل الشِّعرُ لأنَّه أقربُ الفنون إليها. وكاتبُها يؤكِّد الإحساسَ بالدراما والشِّعرِ، وهو فنَّانٌ شديدُ الفرديَّة يتلقَّى الحياةَ بحساسيَّةٍ خاصَّة وتغلبُ عليه انطباعاتُه، ولا تفرُغ نفسُه لتسجيلِ التَّفاصيلِ التي لا تتَّصل مباشرَةً بهذه الانطباعاتِ.
وقدِ ازدَهر فنُّ القصَّةِ القصيرة تلبيةً لحاجاتِ الطَّبقاتِ الدُّنيا الآخذةِ بالنموِّ والتَّزايدِ ، كما أدَّى تطوُّرُ المسافةِ إلى هذا الازدهارِ، وتحديدُ كمِّ هذا الفنِّ استلزمتها الصِّحافة إلى جانب الخبرِ ، وفرضت صفحاتُها المحدودة قِصَرَ القِصَّة لتُقْرَأَ سريعا وبجلسةٍ واحدةٍ . وقد حدَّدَ (إِدْغَارْ ألَنْ بُّو) حجمَ القصَّةِ بمقياسٍ زمنِيٍّ فقرَّر أنَّها: " تتطلَّب من نصفِ ساعةٍ إلى ساعةٍ أو ساعتين لقراءتها قراءةً دقيقة" بينما ذهب ( ج. وِلز) إلى تحديدِ مدَّة قراءتِها بين ربعِ ساعةٍ وثلثِها".
وتختلفُ مناهجُ القصَّة القصيرة واتجاهاتُها، فبعضُ الكتَّاب يحرصُ على أن يقولَ كلّ شيء بدقَّةٍ وتفصيلٍ دون أنْ يترُك للقارئِ شيئا يستكشفه ، وغالبا ما يُعْنَى هذا النَّمطُ بالحادثَة والسَّردِ والأسلوبِ. وهو منهجُ القصَّة التَّقليديَّةِ. وهناك منهجٌ آخرُ يؤثِّر التَّركيزُ على الشَّّخصيَّةِ فيرسمُها بدقَّةٍ. ويجعلُها المحوَرَ الذي تدور حوله الأحداثُ. ثمَّ منهجُ الاهتمام بالعاطفة الإنسانيَّةِ وتصويرِها في انْثِيَالِ تيَّاريْ الشُّعور واللاَّشعور. وقد يلجأ بعض الكُتَّابِ إلى التَّركيز على الفكرة الماديَّة ، أو الرَّمزيَّةِ ، أو الأُسطوريَّة. وكلُّ جيلٍ أدبِيٍّ، بل كلُّ أديبٍ في الجِيل الواحدِ ، يحاول دوْماً التّّجاوُزَ، إنْ لم يكن المعاصرَة على الأقلِّ.
والقصَّة القصيرةُ تعرِّفنا بشيءٍ نعرفه مُسبقا، ونُعيده يوميّاً، وهي تعْرِضُه في شكلِ لقطةٍ أو جُزئيَّةٍ ما ، أو فكرةٍ محدَّدَةٍ. وهذا يعنِي أنَّ الأَدب إنَّما يقوم على الإيهام والتَّخييل، حيثُ يقدِّم الكاتبُ تجربةً يحياها الجميعُ ، ولكن من خلالِ رؤيا خاصَّة مركَّزة ومكتَّفة، تهتَمُّ بالتَّعبيرِ عن الوضْع النَّفسيِّ والواقِعِ الاجتماعيِّ للكاتب ، وتحاول الإفصاحَ عن الذات ومشكلات الواقعِ ، انطلاقا من رغبةٍ قويَّةٍ في تحريرِ الواقع من أخطائِه وأمراضِه، وكلَّما اتَّسعتْ الهُوة بين الواقعِ والمِثَال احتدَّ صوْتُ الأدبِ وارتفَعَتْ نبْرَتُه، لأنَّه المُؤَشِّر الحقيقِيُّ إلى وجُود خطأٍ ما، وكلَّما انْحلَّت مُشكلةٌ ما التفتَ الأدبُ إلى غيرها من آلاف المشاكلِ التي يعجُّ بها المجتمعُ ، وعلى الخُصوصِ ، المتخلِّفُ. ولهذا يكونُ الأدبُ محرِّراً لا مخدِّراً ، والأديبُ رائداً لا بُوقاً.
محمد عزّام.اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب.منشورات اتحاد كتاب العرب.دمشق.1987.ص9 وما بعدها
مميِّزاتُ القصَّةِ القصيرةِ واتِّجاهاتُها
تؤكِّدُ الدِّراساتُ النَّاشِطةُ منذُ الخمسينَات حوْلَ نشأةِ القِصَّةِ في الأدبِ العَربِيِّ الحديثِ أنَّها كانت حاجةً اجتماعيَّةً قبلَ أن تكونَ حاجةً فنِّيَّةً، بمعنى أنَّ اضْطِلاعَها بوظيفتِها كان أبرزَ الدَّوافِعِ إلى كتابتها، ولعَلّ هذا ما يفسِّر ذلك التلكُّؤَ الطَّويلَ الذي عاشته حتَّى انْخرطت في زمنها الفنِّيِّ الخاصِّ، وأنْجزت تجاربَها.
وهذه الحاجةُ الاجتماعيَّة إذا كانت قد ربطت الكاتبَ بالالتزامِ في التَّعبير عن قضاياهُ الحياتيةِ أو قضايا مجتمعِه العامَّة، في مرحلةٍ مبكِّرةٍ، فإنَّه مع الزَّمنِ، أمكنَ انطلاقُه من أسْرِ هذين القيْديْنِ، نسبيًّا لصالح التَّعبيرِ الفنِّيِّ الذي أصبحَ متوخًّى أكثرَ، باعتبار أنَّ القصَّة القصيرةَ لم تعد خبراً يُرْوَى، بل أصبحت حدثاً ينمُو ويتطوَّرُ من خلالِ رؤيا الكاتبِ.
وإذا كان للشِّعر مصطلحٌ نقديٌّ قديمٌ تطوَّر في العصر الحديث حينَ استفادَ من العلوم الألسنيَّة، والاجتماعيَّةِ، والنَّفسيَّةِ، والأنتروبولوجيَّة، وإذا كان للرِّوايَة مصطلَحٌ نقديُّ خاصُّ بها باعتبارها تُناقشُ قضايا أساسيَّةً عبْر تطوُّرِ الشَّخصيَّة والأحداثِ، فإنَّ القصَّةَ القصيرةَ، باعتبارها لا تناقش قضيَّةً ما بِتوسُّعٍ ولا تصَوِّرُ تطوُّرَ شخصيَّة مَا ، إنَّما هيَ شعورٌ خاطفٌ ، ولحظةٌ من عمر الزَّمنِ، ومنَ الصَّعبِ القبضُ على هذا الشُّعاعِ السَّريعِ أو تجميدُه لفحصِهِ وتحليلِه، ففِي هذهِ الحالةِ إمَّا أنْ تزيدَ في تضخيمِ هذهِ الخاطرَةِ أو تقلِّلُ من نوعيَّةِ وكميَّة هذا الشُّعورِ، ولذلك يصعُبُ نقدُ القِصَّةِ القصيرة، لنوعيَّتِها الخاصَّة، ولكونِها فنّا ًأدبيَّاً ناشِئا وجديدا عن " الصَّوت المنفرد" للرَّجلِ الصَّغير في الحياةِ الحديثَةِ، أو صوتِ الجماعاتِ المغمورَةِ في تطوُّرِها عبْرَ المراحِلِ التَّاريخيَّة، وقدِ ارتَبَطتْ "تاريخيّاً" بالطَّبقةِ الدُّنيَا، وعبَّرت عن همُومها ومطامِحِها، باعتبارها الفنَّ الذي يمْلِكُ الكثافةَ الشِّعريَّة والرُّؤيَا الفَنِّيَّةَ.
وإذا كانتِ الرِّواية تلائِم شكلا معيَّنا من الحياة الاجتماعيَّة ، أو هي نتيجةٌ لظروف موضوعيَّةٍ تمثَّلت في الوقت الفائِض اللاَّزم لقراءتها وكتابتِها، فإنَّ الحياة المعاصرَة أصبحتْ أكثرَ تعقِيداً، وتسارَعَ إيقاعُها بشكلٍ مذهلٍ، الأمرُ الذي دفَعَ إلى البحثِ عنْ فنٍّ موجَزٍ وسريعٍ ، له كثافةُ الشّعرِ وتركيزُه، فكانت القصَّة ثمَّ القصَّةُ القصيرةُ ، والقصَّةُ القصيرةُ جدّاً باعتبارها تقنياتٍ أدبيةً مستحدثَةً، تأخذُ بعين الاِعتبارِ وقتَ القارئِ والمبدعِ، وتعبِّرُ عن أزمةِ الفرْدِ في عصرِ السُّرعةِ والاختزَالِ ، من خلال ومضاتٍ هيَ إلى البرْقياتِ الموحِية أقرَبُ.
والقصَّةُ القصيرة فنٌّ دراميٌّ أداتُه اللُّغةُ، وأسلوبُه الحوارُ والسَّردُ ، قليلُ الكمِّ يُقرَأُ في جلسةٍ واحِدةٍ، ويتميَّزُ بوحدةِ الاِنطباعِ. وفي بناءِ القِصَّة القصيرةِ يتداخل الشِّعرُ لأنَّه أقربُ الفنون إليها. وكاتبُها يؤكِّد الإحساسَ بالدراما والشِّعرِ، وهو فنَّانٌ شديدُ الفرديَّة يتلقَّى الحياةَ بحساسيَّةٍ خاصَّة وتغلبُ عليه انطباعاتُه، ولا تفرُغ نفسُه لتسجيلِ التَّفاصيلِ التي لا تتَّصل مباشرَةً بهذه الانطباعاتِ.
وقدِ ازدَهر فنُّ القصَّةِ القصيرة تلبيةً لحاجاتِ الطَّبقاتِ الدُّنيا الآخذةِ بالنموِّ والتَّزايدِ ، كما أدَّى تطوُّرُ المسافةِ إلى هذا الازدهارِ، وتحديدُ كمِّ هذا الفنِّ استلزمتها الصِّحافة إلى جانب الخبرِ ، وفرضت صفحاتُها المحدودة قِصَرَ القِصَّة لتُقْرَأَ سريعا وبجلسةٍ واحدةٍ . وقد حدَّدَ (إِدْغَارْ ألَنْ بُّو) حجمَ القصَّةِ بمقياسٍ زمنِيٍّ فقرَّر أنَّها: " تتطلَّب من نصفِ ساعةٍ إلى ساعةٍ أو ساعتين لقراءتها قراءةً دقيقة" بينما ذهب ( ج. وِلز) إلى تحديدِ مدَّة قراءتِها بين ربعِ ساعةٍ وثلثِها".
وتختلفُ مناهجُ القصَّة القصيرة واتجاهاتُها، فبعضُ الكتَّاب يحرصُ على أن يقولَ كلّ شيء بدقَّةٍ وتفصيلٍ دون أنْ يترُك للقارئِ شيئا يستكشفه ، وغالبا ما يُعْنَى هذا النَّمطُ بالحادثَة والسَّردِ والأسلوبِ. وهو منهجُ القصَّة التَّقليديَّةِ. وهناك منهجٌ آخرُ يؤثِّر التَّركيزُ على الشَّّخصيَّةِ فيرسمُها بدقَّةٍ. ويجعلُها المحوَرَ الذي تدور حوله الأحداثُ. ثمَّ منهجُ الاهتمام بالعاطفة الإنسانيَّةِ وتصويرِها في انْثِيَالِ تيَّاريْ الشُّعور واللاَّشعور. وقد يلجأ بعض الكُتَّابِ إلى التَّركيز على الفكرة الماديَّة ، أو الرَّمزيَّةِ ، أو الأُسطوريَّة. وكلُّ جيلٍ أدبِيٍّ، بل كلُّ أديبٍ في الجِيل الواحدِ ، يحاول دوْماً التّّجاوُزَ، إنْ لم يكن المعاصرَة على الأقلِّ.
والقصَّة القصيرةُ تعرِّفنا بشيءٍ نعرفه مُسبقا، ونُعيده يوميّاً، وهي تعْرِضُه في شكلِ لقطةٍ أو جُزئيَّةٍ ما ، أو فكرةٍ محدَّدَةٍ. وهذا يعنِي أنَّ الأَدب إنَّما يقوم على الإيهام والتَّخييل، حيثُ يقدِّم الكاتبُ تجربةً يحياها الجميعُ ، ولكن من خلالِ رؤيا خاصَّة مركَّزة ومكتَّفة، تهتَمُّ بالتَّعبيرِ عن الوضْع النَّفسيِّ والواقِعِ الاجتماعيِّ للكاتب ، وتحاول الإفصاحَ عن الذات ومشكلات الواقعِ ، انطلاقا من رغبةٍ قويَّةٍ في تحريرِ الواقع من أخطائِه وأمراضِه، وكلَّما اتَّسعتْ الهُوة بين الواقعِ والمِثَال احتدَّ صوْتُ الأدبِ وارتفَعَتْ نبْرَتُه، لأنَّه المُؤَشِّر الحقيقِيُّ إلى وجُود خطأٍ ما، وكلَّما انْحلَّت مُشكلةٌ ما التفتَ الأدبُ إلى غيرها من آلاف المشاكلِ التي يعجُّ بها المجتمعُ ، وعلى الخُصوصِ ، المتخلِّفُ. ولهذا يكونُ الأدبُ محرِّراً لا مخدِّراً ، والأديبُ رائداً لا بُوقاً.
محمد عزّام.اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب.منشورات اتحاد كتاب العرب.دمشق.1987.ص9 وما بعدها
تحليل النصّ النظري (المقالة)
ظهرتِ القصَّةُ القصيرةُ بمفهومها الحديثِ
في الأدبِ العربيِّ منتصَف القرنِ 19م وازدهرَتْ إبَّانَ القَرن 20م ، وهيَ بذلكَ
فنٌّ مُستحدثٌ ظهرَ نتيجةَ التَّلاقُح مع الثَّقافةِ الغربيَّة والتَّرجمةِ عنْ
آدابِها و كَذَا انتشارِ الصِّحافة، ويتميَّزُ هذا الفنُّ بخصائصَ أهمُّها: وحدةُ
الانطباع، والكثافَة الشِّعريَّة، ودقَّةُ التَّصميم، والاختزال. والقصَّة القصيرة
في أبسط تَعاريفِها "فنٌّ دراميٌّ أداتُه اللُّغة، وأسلوبُه الحوارُ
والسَّرد، قليلُ الكمِّ يُقْرَأُ في جَلْسة واحدةٍ، يتميَّز بوحدةِ
الانطباعِ"، ويلتقط الومضة المشرقة وينقل اللّمحة الخاطفة ، ومن روَّاد هذا
الفنِّ الجديد في أدبِنا نذكرُ: طه حسين، ويحيى حقِّي، وعبد الكريم غلاَّب، إضافةً
إلى محمود تيْمور و زكريَّا تامر. وبعدَ أن نضجَ فنُّ القصَّة القصيرةِ واستَوَى
على سُوقه وصار قابِلا للتَّناول والمقاربة النّقديّةِ، ظهرت دِراساتٌ نقديَّة
ترُومُ التَّعريفَ به وإبرازَ خصائِصه وتجنيسَه ورصد تطوُّرِه، ومِن أبرزِ
النُّقاد الذين نبَغوا في مجالِ النَّقد القصصيِّ نذكر: شكري عيَّاد، وصلاح فضل،
ومحمد برادة، وسعيد يقطين ... ويعدُّ محمد عزّام من أبرز الذين عَرَّفُوا بفنِّ
القصَّة واتِّجاهاتها الفنيَّة، له عدَّةُ مؤلَّفاتٍ نذكرُ منها " النَّقد
والدّلالة " و" البطل الإشكاليُّ في الرِّواية العربيَّة المعاصرَة
"، وقد اقْتُطِفَ النَّصُّ موضوعُ الدِّراسةِ من كتابه الموسومِ ب "
اتِّجاهات القصَّة المعاصرة في المغرب". فما القضيَّة التي يعالجها ؟ وما
طرُق عرضِها ؟ وما المَقصديَّة التي رامَ إيصالها ؟
تنصرفُ دلالةُ العنوان إلى ما تتميَّزُ به القصَّةُ القصيرةُ من خصائصَ شكليةٍ ومضمونيَّةٍ، وكذا ما تتفرَّعُ إليه منْ تيَّاراتٍ ومدارسَ. وبناءً على هذه الدلالة،
وانطلاقاً من شكل النص الطّباعيّ وجملةٍ منَ المُؤَشِّرات النَّصِّيَّة الدّالة مثل: " نشأة القصة، حاجة اجتماعية، التعبير الفنّيّ، شعور خاطف، لحظة من عمر الزَّمن، فنٌّ موجَزٌ وسريع، تختلف مناهج القصة القصيرة واتجاهاتها.. "، نفترض أنَّ النَّصَّ الذي بين ذو طابعٍ نظريّ يروم من خلاله الكاتب التَّعريفَ بفنِّ القصَّةِ القصيرة وأهمِّ خصائصه الشَّكليةِ والمضمونيَّةِ وأبرزِ تيّاراتِه الفنيّة. فإِلى أيِّ حدٍّ تصحُّ هذه الفرضيّة ؟ وما الوسائلُ الفنّيّة الموظّفة من لدُنِ الكاتبُ ؟
عالج الكاتبُ قضيَّةً رئيسيَّةً تتمثَّلُ في
"إبرازِ خصائص القصَّة القصيرة وتيَّاراتها"، وقد تفرَّعت عن هذه
القضيَّةِ قضايا أخرى ذاتُ صلةٍ وطِيدة بها، نبيِّنُها فيما يلي
:
- علاقةِ القِصَّة بمَقْصِدِيَّة مُبْدِعِها : عالج الكاتبُ هذه القضيَّة عندَ تطرُّقه إلَى مسألةِ الحاجَةِ الاِجتماعيَّةِ والحاجةِ الفنِّيَّةِ، ومعنَى ذلكَ أنَّ كاتِبَ القِصَّةِ القصيرَةِ يُعَبِّرُ عن المجتمع، كما يحرِصُ على تطوير الشّكل الفنّيّ؛
- المصطلحِ النَّقدِيِّ بالنسبَة للقصَّةِ القصيرةِ : أشَار الكاتبُ إلى هذه القضيَّةِ في مَعْرِضِ حديثِه عن صعوبة نقْدِ القصّةِ القصيرةِ بِخلافِ الشَّعر والرِّوايةِ، نظراً لعدم وُجُودِ مصطلحاتٍ نقديَّةٍ تُساعدُ على الحُكمِ عليْها، والسّبب في ذلك جِدَّتُها وحداثَةُ ظهورِها؛
- تلقِّي القصَّة القصيرةِ: أشار الكاتبُ إلى تلقِّي القصَّة القصيرة من خلالِ الحديثِ عن الوقت الزَّمنِيِّ الذي يصلُح لقراءَتِها ويكفِي لتلقّيها، كما أشار إلى أنَّ مُبْدِعَ القصَّة القصيرة يُراعي المتلقِّي الذي لا يَمْلِك الوقتَ الكافِيَ لقراءةِ فنِّ الرِّوايةِ؛
الوظيفةُ الاجتماعيَّةُ للقصَّةِ : تطرَّقَ الكاتبُ إلى كوْنِ القصَّةِ القصيرةِ تُعْنَى بِرصْد أمورِ المُجْتَمَعِ وقضاياهُ وهُمومِه، وتَسعَى إلى القضاءِ على أمْراضِهِ وأخطائِه؛
- التطوُّرِ الفَنِّيِّ : تطرَّقَ الكاتبُ إلى تطوُّر القصَّة القصيرة فنِّيّاً، حيثُ أصبحَ كتَّابُها يُعْنَوْنَ بالجانبِ الجمالِيِّ والشَّكْلَيِّ، إضافةً إلى عنايَتِهم بالجانِب المضمونِيِّ، كما تطرَّقَ إلى هذهِ القضيَّة عنْدَ حديثِه عنْ تطوُّر تيَّاراتِ القصَّة القصيرةِ.
←يتَّضحُ ممَّا سبقَ ذِكْرُه وتفصِيلُه أنَّ الكاتبَ استطاعَ بإثارَتِه لسائِرِ القضايا المنْبَثِقَةِ عن القضيَّةِ الرَّئيسيَّة تسليطَ الضَّوْءِ على نشأَةِ القصَّةِ القصيرةِ وتطوُّرِهَا فنِّيّاً، مِمَّا قرَّبَ الفكرةَ إلى ذهن المتلقي بعيداً عنِ الغُموضِ ودرءاً لكلِّ سوء فهمٍ أو عِوَجِ تأويلٍ.
وإذا انتقلنا ناحيةَ طرائقِ العرْض ألفَيْنا الكاتبَ ينوِّعُ في أساليبِ
عرْضِ فكرَتِه، وهكَذَا وجدْناه يركِّزُ على أساليبِ التَّفْسيرِ؛ حيثُ وظَّفَ
التَّعريفَ لبيانِ خصائِصِ الشّيْءِ المُعَرَّفِ وتوضيحِه في ذهنِ القارئِ،
ويتمثَّلُ ذلك في تَعرِيفِه القصَّةَ من خلال قولِه : "هي شعورٌ خاطفٌ ولحظة
من عمر الزمن – والقصة القصيرة فنٌّ دراميٌّ أداتُه اللُّغة، وأسلوبُه الحوار
والسّرد... "، وإلى جانبِ التَّعريفِ نجدُ اعتمادَ الكاتب على الوَصْفِ كما
في قوله : " فنٌّ دراميٌّ أداته اللغة – وهو فنَّانٌ شديد الفرديَّة.."،
ونجدُ اهتمامَه الكبيرَ بالسَّرْدِ الذي يؤدِّي وظيفة تفسيريّة توضيحيَّةً
إخباريةً، ومن أمثلته في النَّصِّ " والقصة القصيرة تعرفُنا بشيء نعرفُه
مسبَقاً، ونعيده يوميّاً، وهي تعرضُه في شكلِ لقطةٍ أو جزئيَّة ما، أو فكرةٍ محددة
"، ورابعُ أساليب التفسير الموظفةُ في النَّصِّ هو التَّشابُه حيثُ عرَضَ
الكاتبُ للتَّداخُلِ والتَّشابُهِ بين فنَّيْ القصة القصيرة والشِّعر في
"الكثافة الشعريَّة" و بين الرِّواية والقصَّة القصيرة في
"التَّعبير عن الحياة الاِجتماعيَّة" والقيام عَلَى "السَّرد
والحوار والوصف" ، وقد أدَّتْ الأسالِيبُ السَّابقةُ مجتمعةً دوراً في إيضاحِ
فِكرةِ الكاتبِ وبيانِها تمهيداً لإقناعِ القارئِ بقدرةِ هذا الفنِّ الجديدِ على
التَّعبيرِ عنِ المجتمعِ ومعالجةِ أمراضِه.- علاقةِ القِصَّة بمَقْصِدِيَّة مُبْدِعِها : عالج الكاتبُ هذه القضيَّة عندَ تطرُّقه إلَى مسألةِ الحاجَةِ الاِجتماعيَّةِ والحاجةِ الفنِّيَّةِ، ومعنَى ذلكَ أنَّ كاتِبَ القِصَّةِ القصيرَةِ يُعَبِّرُ عن المجتمع، كما يحرِصُ على تطوير الشّكل الفنّيّ؛
- المصطلحِ النَّقدِيِّ بالنسبَة للقصَّةِ القصيرةِ : أشَار الكاتبُ إلى هذه القضيَّةِ في مَعْرِضِ حديثِه عن صعوبة نقْدِ القصّةِ القصيرةِ بِخلافِ الشَّعر والرِّوايةِ، نظراً لعدم وُجُودِ مصطلحاتٍ نقديَّةٍ تُساعدُ على الحُكمِ عليْها، والسّبب في ذلك جِدَّتُها وحداثَةُ ظهورِها؛
- تلقِّي القصَّة القصيرةِ: أشار الكاتبُ إلى تلقِّي القصَّة القصيرة من خلالِ الحديثِ عن الوقت الزَّمنِيِّ الذي يصلُح لقراءَتِها ويكفِي لتلقّيها، كما أشار إلى أنَّ مُبْدِعَ القصَّة القصيرة يُراعي المتلقِّي الذي لا يَمْلِك الوقتَ الكافِيَ لقراءةِ فنِّ الرِّوايةِ؛
الوظيفةُ الاجتماعيَّةُ للقصَّةِ : تطرَّقَ الكاتبُ إلى كوْنِ القصَّةِ القصيرةِ تُعْنَى بِرصْد أمورِ المُجْتَمَعِ وقضاياهُ وهُمومِه، وتَسعَى إلى القضاءِ على أمْراضِهِ وأخطائِه؛
- التطوُّرِ الفَنِّيِّ : تطرَّقَ الكاتبُ إلى تطوُّر القصَّة القصيرة فنِّيّاً، حيثُ أصبحَ كتَّابُها يُعْنَوْنَ بالجانبِ الجمالِيِّ والشَّكْلَيِّ، إضافةً إلى عنايَتِهم بالجانِب المضمونِيِّ، كما تطرَّقَ إلى هذهِ القضيَّة عنْدَ حديثِه عنْ تطوُّر تيَّاراتِ القصَّة القصيرةِ.
←يتَّضحُ ممَّا سبقَ ذِكْرُه وتفصِيلُه أنَّ الكاتبَ استطاعَ بإثارَتِه لسائِرِ القضايا المنْبَثِقَةِ عن القضيَّةِ الرَّئيسيَّة تسليطَ الضَّوْءِ على نشأَةِ القصَّةِ القصيرةِ وتطوُّرِهَا فنِّيّاً، مِمَّا قرَّبَ الفكرةَ إلى ذهن المتلقي بعيداً عنِ الغُموضِ ودرءاً لكلِّ سوء فهمٍ أو عِوَجِ تأويلٍ.
وفيما يخُصُّ السَّيرورة الحِجاجيَّةَ المعتمدة فقدِ اختارَ الكاتبُ الأسلوبَ الاستنباطِيَّ في بناء نصه، حيثُ انتقل منَ العامِّ إلى الخاصِّ ومن الكلِّ إلى الجزءِ؛ إذ بدأ النَّصَّ بالإشارة إلى نشأة القصّةِ القصيرةِ لينْتَقل بعدَ ذلك إلى رصْد خصائصها بِمُجْمًلِ تيَّاراتها ووظيفتِها، وإلى جانب الأسلوبِ الاستنباطيِّ اعتمدَ الكاتبُ أسلوبَ الجرْدِ أيْ تعريف الظَّاهرةِ" القصَّةُ القصيرةُ " من خلال جرْدِ مكوِّناتها، وهكذا وجدناه يعرِّفُ بالقصَّةِ القصيرةِ ويْجرُد مكوِّناتها من لغةٍ وأسلوبٍ وسردٍ وحوارٍ وكمٍّ ووظيفةٍ ودراما.
ويكمُن دوْر الأسلوب الاستنباطيِّ ومعهُ أسلوبُ الجرْدِ في التدرُّج في عرض الفكرة وتوضيحها عبْر التفسير والتفصيل، حتَّى تستحيلَ واضحةً في الذِّهنِ.
عمِل الكاتبُ في نصِّه على التَّعريفِ بالقصَّةِ القصيرةِ وظروفِ نشأتها، كما رصَدَ جملةً من خصائصها وتياراتِها دونَ أن ينسى الإِلْماعَ إلى وظيفتِها، وقدْ قصد من خلالِ نصِّه إلى بيانِ قدرةِ القصَّة القصيرة على نقْدِ المجتمعِ منتصِراً لهَا على حساب الرِّوايةِ، وقد استخدَم من أجل ذلك وسائلَ عدَّة تنوَّعت بيْنَ اللُّغةِ العلميَّةِ والجُمَلِ الطَّويلةِ وطرائقِ العرضِ المختلفةِ من تعريفٍ وسردٍ وتشابهٍ ، إضافةً إلى الرَّوابط التي أدَّت دورا في إحكام التَّرابط اللُّغويِّ والدَّلالِيِّ والعُضويِّ بين مكوِّناتِ المقالةِ ووظيفةً في تدرُّجِ الفكرةِ وبنائها ، أضفْ إلى ذلك تعدُّدَ الإطاراتِ المرجعيَّة وتنوُّعَ المفاهيم، كلُّ هذا ساعَدَ الكاتبَ في عرْضِ فكرتِه ومناقشَتِها، وبناءً على ما سبَقَ نَصِلُ إلى إثباتِ صحَّةِ الفَرضيَّةِ وانتماءِ النَّصِّ إلى جِنْسِ المقالةِ الأَدبيَّةِ التي يعالج فيها الكاتبُ خصائص القصَّة القصيرةِ. ونَعتقدُ أنَّ الكاتبَ قد وُفِّقَ في دفاعه عنْ فنِّ القصَّة القصيرة، لكنَّنا لا نتَّفقُ معه في كونِ القصَّة القصيرة هي القادرة وحدَها على نقْدِ الواقِع، لِأَنَّ وظيفةً مثل هاتِه تحتاج إلى تضَافُر الفُنونِ كلِّها .
موقع وثيقتي- سعيد بكور